قطعة الطنبوري
كان في بغداد رجل اسمه أبو القاسم الطنبوري،
وكان له مداس، وهو يلبسه سبع سنين، وكان كلما تقطع منه موضع جعل مكانه رقعة إلى أن
صار في غاية الثقل، وصار الناس يضربون به المثل.
فاتفق أنه دخل يوماً سوق الزجاج، فقال له سمسار
يا أبا القاسم : قد قدم إلينا اليوم تاجر من حلب، ومعه حمل زجاج مذهب قد كسد ،
فاشتره منه، وأنا أبيعه لكـ بعد هذه المدة؛ فتكسب به المثل مثلين فمضى واشتراه
بستين دينارا ، ثم إنه دخل إلى سوق العطارين، فصادفه سمسار آخر، وقال له:
يا أبا القاسم قد قدم إلينا اليوم من نصيبين
،تاجر ومعه ماء ورد ولعجلة سفره، يمكن أن تشتريه منه رخيصا، وأنا أبيعه لك فيما
بعد، بأقرب مدة؛ فتكسب به المثل مثلين ! فمضى أبو القاسم، واشتراه أيضا بستين
دينارا أخرى، وملأ به الزجاج المذهب وحمله، وجاء به فوضعه على رف من رفوف بيته في
الصدر ، ثم إن أبا القاسم دخل الحمام يغتسل ، فقال له بعض أصدقائه: يا أبا القاسم
أشتهي أن تغير مداسك هذا فإنه في غاية الشناعة وأنت ذو مال بحمد لله! فقال له أبو
القاسم : الحق معك فالسمع والطاعة.
ثم إنه خرج من الحمام ، ولبس ثيابه، فرأى بجانب
مداسه مداسا آخر جديدا، فظن أن الرجل من كرمه اشتراه له، فلبسه، ومضى إلى بيته
وكان ذلك المداس الجديد للقاضي، وقد جاء في ذلك اليوم إلى الحمام، ووضع مداسه
هناك، ودخل يستحم ، فلما خرج فتش عن مداسه، فلم يجده، فقال: أمن لبس حذائي لم يترك
عوضه شيئا ؟ ففتشوا ، فلم يجدوا سوى مداس أبي القاسم فعرفوه؛ لأنه كان يضرب به
المثل فأرسل القاضي خدمه، فكبسوا بيته فوجدوا مداس القاضي عنده، فأحضره القاضي،
وضربه تأديبا له، وحبسه مدة، غرمه بعض المال وأطلقه ، فخرج أبو القاسم من الحبس،
وأخذ حذاءه، وهو غضبان، ومضى إلى دجلة، فألقاه فيها ، فقاص في الماء! فأتى بعض
الصيادين ورمى شبكته ، فطلع فيها ، فلما رآه الصياد عرفه، وظن أنه وقع منه في
دجلة، فحمله وأتى به بيت أبي القاسم ، فلم يجده، فنظر فرأى نافذة إلى صدر البيت
فرماه منها إلى البيت، فسقط على الرف الذي فيه الزجاج، فوقع، وتكسر الزجاج وتندد
ماء الورد
فجاء أبو القاسم ونظر إلى ذلك، فعرف الأمر فلطم
وجهه وصاح يبكي وقال: وا فقراه أفقرني هذا المداس الملعون، ثم إنه قام ليحفر له في
الليل حفرة، ويدفنه فيها ، ويرتاح منه ، فسمع الجيران حسن الحفر، فظنوا أن أحدا
ينقب عليهم، فرفعوا الأمر إلى الحاكم، فأرسل إليه ، وأحضره، وقال له كيف تستحل أن
تنقب على جيرانك حائطهم؟ وحبسه، ولم يطلقه حتى غرم بعض المال، ثم خرج من السجن
ومضى وهو حردان من المداس وحمله إلى كنيف الخان ، ورماه فيه ، فسد قصبة الكنيف،
ففاض وضجر الناس من الرائحة الكريهة، وبحثوا عن السبب، فوجدوا مداسا : فتأملوه،
فإذا هو مداس أبي القاسم، فحملوه إلى الوالي، وأخبروه بما وقع، فأحضره الوالي،
ووبخه وحبسه، وقال له عليك تصليح الكنيف، فغرم جملة مال، وأخذ منه الوالي مقدار ما
غرم، تأديباً له، وأطلقه ، فخرج أبو القاسم والمداس معه، وقال - وهو مغتاظ منه - :
والله ما عدت أفارق هذا المداس.
ثم إنه
غسله وجعله على سطح بيته حتى يجف، فرآه كلب، فظنه رمة فحمله ، وعبر به إلى سطح
آخر، فسقط من الكلب على رأس رجل، فالمه وجرحه جرحا بليغا ، فنظروا وفتشوا لمن
المداس فعرفوا أنه لأبي القاسم !
فرفعوا الأمر إلى الحاكم، فألزمه بالعوض،
والقيام بلوازم المجروح مدة مرضه، فنفذ عند ذلك جميع ما كان له، ولم يبق عنده شيء،
ثم إن أبا القاسم أخذ المداس، ومضى به إلى القاضي، وقال له أريد من مولانا القاضي
أن يكتب بيني ويبن هذا المداس مباراة شرعية على أنه ليس مني ولست منه ، وأن كلا
منا بريء من صاحبه ، وأنه مهما يفعله هذا المداس لا أؤخذ به أنا وأخبره بجميع ما
جرى عليه منه، فضحك القاضي منه ووصله وجزله ومضى.
1-
لماذا أخذ
أبو القاسم الحذاء بالغلط ؟