قطعة حضارة
الأندلس
منتصف القرن التاسع
الميلادي حين كانت الأنظار تشرئب لرؤية الأنوار العربية في الأندلس؛ كانت أعظم
أحلام البسطاء في أوروبا أن يتلقى أبناؤهم تعليمهم في جامعة قرطبة على أيدي
المسلمين الذين أشعلوا سراج الحضارة وأضاءوا بعلومهم ومؤلفاتهم ظلام أوروبا
الدامس.
وكان الشباب والطلاب
والمثقفون في أوروبا يلتهمون اللغة العربية التهامًا، لا لأنها لغة المنتصر الظافر
الذي أحكم بقبضة سيفه سلطان التعليم بلغته، وحصره على لغته قومه وثقافتهم، بل
لأنها لغة الحضارة القائمة فما من سبيل إلى اللحاق بركبها غير التمكن منها.
حينئذ كان الأب (بول
ألفاريز)، أحد قساوسة ذلك العصر، ينظر إلى شباب أوروبا الذي يتسرب من ثقافته بنظرة
حسيرة، واضعًا رأسه بين كفيه، مثل غيره من المتعصبين لقومياتهم الذين لا يريدون أن
يلتفتوا إلى طبيعة التاريخ ومسيرة الحضارة؛ فكتب ذلك الأب ما نصه:
«إن المسيحيين يحبون
قراءة قصائد العرب ورواياتهم، ويدرسون علماء الدين والفلاسفة العرب، لا بقصد
مجادلتهم، وإنما لاكتساب لغة عربية صحيحة ورشيقة. وأين هو الشخص العادي الذي يقرأ
دراسات الكتاب المقدس باللاتينية، أو يدرس سير الأنبياء والقديسين؟ يا للخسارة، إن
جميع الشباب المسيحيين الموهوبين يقرؤون الكتب العربية ويدرسونها بحماس، يجمعون
مكتبات هائلة بتكلفة ضخمة، ويحتقرون الآداب المسيحية كونها غير جديرة بالاهتمام.
لقد نسوا لغتهم هم... حتى إنه مقابل كل من يستطيع كتابة خطاب باللاتينية لصديق،
يوجد ألف يستطيعون التعبير عن أنفسهم بلغة عربية أنيقة».
فهل يحق لنا اليوم ونحن
في مطلع قرن الواحد العشرين أن نتقمص شخصية الأب ألفاريز، ونقول لشبابنا اليوم في
عالمنا العربي: يا للخسارة.؟؟
صحيح أن من حق أنفسنا
علينا، ومن حق الحضارة القائمة اليوم أن نلجأ إلى لغتها ننهل منها ما يخدم
مستقبلنا، كما فعل شباب أوروبا ذلك من قبل، فكانت اللغة العربية وحضارتها القائمة
وقودا لنار حضارتهم الغربية التي اشتعلت فيما بعد - فأضاءت جنبات المعمورة.
1-
اعتماد الحضارة يكون قائم على :